ذهبت أستطلع ما يحدث فوجدت إجابة تساؤلاتي المرأة المنكوبة تواً تدفع بواسطة شقيقتي عم سعيد وتلقى خارج منزلها وهي تصرخ : اتقوا الله في وفي أولادي حرام عليكم ما تفعلونه
وسألت بعض الرجال حول المنزل عما يحدث فقال لي أحدهم : تصور يا أسطى حسين وصلت غلظة أكباد هؤلاء القوم إلى حد طرد المرأة وصغارها من الدار والرجل لم يُوارى التراب بعد
قلت له : بل قل لم نصلِّ عليه بعد
وذهبت أعنفهم وليتني لم أفعل غلظة أكبادهم لم تراع كبر سني فدفعوني بقسوة بعيداً عنهم قائلين: لن يستطيع أحد أن يغير رأينا وموقفنا ، لقد تسببت تلك المرأة في وفاته ولن تنال شيئاً مما تركه لا فدانيه ولا منزله .
فبادرت المرأة ودموعها تغرق عينيها وتسيل على وجهها :
أنا من تسببت في وفاته؟ حرام عليكم ! لقد ذهب إليكم ملتمساً قرضاً من أجل علاجه ولم تعطوه وتركتموه حتى مات .
فأجاب شقيقه عوض : ومن تسبب بمرضه ألستِ أنت وولديك؟

يالله هل بلغت غلظة الأكباد هذا الحد ؟
ألا تخشون الله ؟
أغلق فتحي الشقيق الأكبر لعم سعيد الباب في وجوهنا ودخلوا وهم يتحدثون عن بيع أرض الرجل الذي لم تزل روحه تحوم حولنا وتشهد ربها ظلم العباد.
أما نجيبة فجلست بجوار المنزل وهي تبكي وتلطم وعلمت أنها صارت وحيدة حقاً فلم يكن لها في القرية سوى منزلها وقد طردت منه تواً واستولى الأشقاء حتماً على الأرض التي تركها لها زوجها .
اقتربت منها وقلت لها : استعيني بأشقائك يا ابنتي لتنالي حقك منهم !
فرفعت عينيها إليّ قائلة : أشقائي لا يختلفون عنهم ربما ستقوم بينهم معارك من أجل المنزل والأرض ولن أنال حقي في النهاية .لقد ذهبت إليهم منذ شهرين فقابلوني بجحود وكأنني لست من نفس اللحم والدم لم أطلب منهم مالاً فما بالك لو طلبت منهم ملاذاً لي ولولديّ
نظرت حولي إلى أهل القرية الذين تفرقوا خوفاً مما قد يفعله بهم عوض وفتحي بعدما لم يراعوا سني وقاموا بدفعي فور اقترابي من المنزل
واصطدمت عيني بعويس صاحب مكتب مخدم في القرية المجاورة لقريتنا
شاهد كل ما حدث ويبدو أنه وجد في نجيبة المسكينة بغية كان يطلبها
لم يكن عمله يقتصر فقط على توريد خادمات فقط للمنازل بل كان يمتد إلى أكثر من ذلك من نشاط إجرامي تتناقله القرية والقرى المجاورة في أسمارهم

اقترب منا عويس قائلاً : دعك منهم لك عندي عرض جيد
قلت له بقسوة دعك منها يا عديم الضمير ألا ترى أنها في شدة
فأجاب أنا أواسيها في شدتها
هل ستستطيع أن تقف في وجه جبروتهم ؟
يمكنها المجيء إلى قريتي والعمل بها لتعيش وتعول ولديها .
أتى إليها ولدها علي ذو الخمس سنوات وهو يبكي :
أمي أين أبي ؟ لماذا نجلس في الشارع ؟
بينما بكى إبراهيم قائلاً بما استطاعت سنوات عمره الثلاث أن تخرج من كلمات :أمي أنا جائع لماذا تأخر أبي؟
فانتحبت الأم البائسة من أجل صغارها كيف ستجيبهم أنهم قد طردوا من بيتهم وأن القرية على اتساعها لم يعد فيها مكان لهم وأن عليها أن تذهب إلى قرية أهلها علها تجد من يهتم بها من أشقائها الذين قابلوها بقسوة في المرة السابقة .
انتحى بها عويس ركناً وهمس في أذنها بعرضه الذي لم أثق مطلقاً فيه وزاد نحيبها بعد أن رحل الرجل وما زال الولدين يتطلعون إليها بحيرة وحزن .
وانطلق أذان الظهر فوجدنا الباب يفتح وعوض وفتحي خارجين مع زوجي رتيبة وفتحية شقيقتيهما حاملين جسد المتوفى في نعشه وأسرع الرجال للسير وراء الجنازة وتعالى صراخ النسوة وبالأخص نجيبة
توجهت القرية كلها للصلاة على الرجل ثم اتبعوا جنازته وعندما عدنا سارعت الشقيقتين القاسيتين بدخول المنزل وإغلاق الباب فانتحبت المرأة وغادر الجميع .
نظرت إلي نجيبة قائلة : سأذهب إلى حال سبيلي يا أسطى حسين ادع لي ولليتيمين .