تفسير قوله تعالى : "وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ" :: من ظِلال سيد قطب رحمه الله ::
(( وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ )) لغو القول , و لغو الفعل , و لغو الاهتمام و الشعور . إن للقلب المؤمن ما يشغله عن اللغو و اللهو و الهذر . .
له ما يشغله من ذكر الله , و تصور جلاله و تدبر آياته في الأنفس و الآفاق . و كل مشهد من مشاهد الكون يستغرق اللب , و يشغل الفكر , و يحرك الوجدان . . و له ما يشغله من تكاليف العقيدة : تكاليفها في تطهير القلب و تزكية النفس و تنقية الضمير .
و تكاليفها في السلوك , و محاولة الثبات على المرتقى العالي الذي يتطلبه الإيمان . و تكاليفها في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و صيانة حياة الجماعة من الفساد و الانحراف . و تكاليفها في الجهاد لحمايتها و نصرتها و عزتها , و السهر عليها من كيد الأعداء . .
و هي تكاليف لا تنتهي , و لا يغفل عنها المؤمن , و لا يعفي نفسه منها , و هي مفروضة عليه فرض عين أو فرض كفاية . و فيها الكفاية لاستغراق الجهد البشري و العمر البشري و الطاقة البشرية محدودة . و هي إما أن تنفق في هذا الذي يصلح الحياة و ينميها و يرقيها ؛ و إما أن تنفق في الهذر و اللغو و اللهو .
و المؤمن مدفوع بحكم عقيدته إلى انفاقها في البناء و التعمير و الإصلاح . و لا ينفي هذا أن يروح المؤمن عن نفسه في الحين بعد الحين . و لكن هذا شيء آخر غير الهذر و اللغو و الفراغ . . . ::